I. المراقبة الإدارية و العنف الرسمي
خلال الـ 19 عاماً الماضية ومنذ إنطلاق المحاكمات السياسية التي شهدها عقد التسعينات من القرن الماضي اُخضع الآلاف من السجناء السياسيين المسرحين للمراقبة الإدارية، بوصفها عقوبة تكميلية، وقد مورست تراتيبها بقدر من الصرامة الأمنية وكثيرمن الرغبة في التشفي أبدتها الأجهزة الأمنية، التي أظهرت “كفاءتها” في التنكيل بالسجناء السياسيين المسرحين وعائلاتهم.
وتحت عنوان صلاحية إجتهاد السلطة التنفيذية فيما تراه مناسباً لضمان حسن تطبيق قرارالمراقبة الإدارية، اُطلقت رغبات التشفي وجرى ابتداع شتى سبل التنكيل ما جعل السجين السياسي بُعيْد سراحه يفضل العودة إلى السجن على سراحٍ يعرّضه للإمتهان على أيدي رجال البوليس السياسي. ومن وجوه الإبتداع أن السجناء السياسيين المسرحين خلال عشرية التسعينات من القرن الماضي أخضعوا جميعُهم لتراتيب المراقبة الإدارية ، إما بموجب قرار قضائي أو بموجب قرار أمني غير مبرر قانوناً، وفي الحالتين يواجه السجين السياسي أقداراً من العنف، يتميز بتعدد أشكاله و مستوياته وفي إستهدافاته ونتائجه :
1 – المراقبة الإدارية وأشكالها العنيفةيخضع السجين السياسي إلى ضروب من العنف المادي المباشر وذلك بما يتعرض له من ضرب ولكم وصفع بمناسبة الإمضاء الدوري في سجلات الحضور بمراكز الأمن وإلى ضروب من العنف المادي غير المباشر، بإجباره على الإمضاء عددا من المرات في اليوم الواحد وأحياناً في عدد من مراكز الأمن أو على الإقامة بعنوان يُفرض عليه ولا يخدم مصالحه، إما لأن عنوان الإقامة المفروض يباعد بينه وبين عائلته أو لأنه لا يحقق له الحدود الدنيا من شروط العيش الكريم، حيث لا يمكنه أن يجد شغلاً يتناسب ومؤهلاته المهنية أو العلمية أو لأن الشغل الممكن في منطقة إقامته لا يوفر حاجياته وحاجيات عائلته الأساسية. هذا ناهيك عن إحتمال إرجاعه إلى السجن بحجة مخالفة تراتيب المراقبة الإدارية.
2 – المراقبة الإدارية وموضوعات الإستهدافبموجب تراتيب المراقبة الإدارية تمارس الأجهزة الأمنية عددا من القيود على السجين السياسي المسرح ، لكنها وهي تفعل ذلك بموجبات قضائية أو بموجبات أمنية تعرّض أفراد عائلته إلى درجات مماثلة من العنف، حيث لا تتوقف هذه الأجهزة الأمنية عن زيارة محل إقامة السجين المسرح وإقتحام غرف نومه في وضع مشابه لحملات الإعتقال في تسعينات القرن الماضي ومداهماتها الليلية، وتلاحقه بدعوى المراقبة في الطريق العام وفي الأسواق ومواقع شغله ،وهي تشيع بين الناس والجيران ولدى رب العمل أنه « رجل خطير» وتدعوهم للحذر منه ومن مغبة الإحتكاك به وتعمل إن إستطاعت على متابعة أخباره داخل بيته من أبنائه وأقربائه، وهي بذلك تثير عليه من حوله قصد تشديد المراقبة عليه ووضعه في مواجهة محيطه الاجتماعي، لكنها بذلك أيضاً تجعل منه موضوعاً للإعتباروتكريس حالة من الخوف الدائم وتعميقها لدى ذلك المحيط الاجتماعي، بل إنها تقطع عليه طريق الوصول إلى المنظمات الحقوقية ،كما تمنع النشطاء الحقوقيين من الوصول إليه بإرهابه وملاحقته .
3 – المراقبة الإدارية ودرجات العنف الموجّه ومراحلهونحن إذا إتخذنا من العنف المستخدم معيارأ للتحقيب فإنه يمكننا الجزم أن المراقبة الإدارية شهدت منذ تسعينات القرن الماضي إلى يومنا هذا مرحلتين متباينتين من جهة مقادير العنف ووسائله وأشكاله،وهو ما يجعل آثار تلك المراقبة الإدارية على السجناء السياسيين متفاوتة في حجم الضرر و حدود الأذى بحسب كل مرحلة:
*- المرحلة الأولى بين 1991 و 2000 : وقد تميّزت هذه المرحلة بممارسة السلطات التنفيذية لدرجة عالية من العنف على نحو متناسب مع قساوة الأحكام التي أصدرتها السلطات القضائية و النهج الإستئصالي الذي اتخذته السلطات السياسية وهو ما يعني أن مؤسسات الدولة إنخرطت جميعها في مواجهة خصم سياسي بقصد تصفية بقية الحسابات الانتخابية لسنة 1989، وهو ما يفسر،منطق الإستئصال الذي وظّف جميع أجهزة الدولة لفائدة أنظمة المراقبة والمعاقبة.
*- المرحلة الثانية بين 2001 و2009 وهي المرحلة التي شهدت تخفيفاً محسوباً من جهة الأجهزة الأمنية على مراقبة السجناء السياسيين المسرحين، وهذا التخفيف لم يكن في واقع الأمر منحة ولا منة من لدن الأجهزة الأمنية بل مرونة أمنية فرضتها على السلطة متغيرات جديدة من أهمها تكون عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي إهتمت بصورة مباشرة بشؤون السجناء السياسيين عامة والمسرحين منهم على وجه الخصوص، مع ما شهده العالم من تطور مجال الإتصالات عن بعد وظهور فضائيات عربية وتونسية إخبارية جادة( الجزيرة ،العربية، الزيتونة، المستقلة ، الحوار..) إضافة إلى ما أبداه السجناء السياسيون مسرحون في عدد من جهات البلاد من إستعصاء ضد عمليات الإخضاع التعسفي للإمضاءات الدورية لدى مخافر الأمن، وضد إجبارهم على الإقامة بمناطق مفروضة عليهم بعيداً عن عائلاتهم أو ضد حقهم في طلب الرزق والتنقل..،وقد إنخرط عدد منهم في أشكال إحتجاجية مختلفة من رفض الإمضاء الدوري إلى المراسلات المطلبية للمسؤوليين، إلى الإضرابات عن الطعام وهو ما أسهم في خلق حالة احتجاجية جعلت من قضية السجناء السياسيين في العشرية الأولى من الألفية الثالثة.أهم ما يشغل الحقوقيين والسياسيين في تونس ..
وقد أمكن ملاحظة التغير النسبي في تعامل الأجهزة الأمنية مع السجناء السياسيين المسرحين، التي تراجعت بصورة تدريجية عن فرض الإمضاء الدوري ومنع التنقل والمنع من الدراسة على أعداد كثيرة من السجناء المسرحين ممن لم يكن صدر في حقهم قرار قضائي بالمراقبة الإدارية، لكنها أبقت المراقبة المفروضة بموجب قضائي مع تحسن نسبي في معاملتها للسجناء المسرحين ممن حوكموا في عشرية تسعينات القرن الماضي، دون أن يعني ذلك صرف نظرها عنهم ، إذ يتعرض هؤلاء من حين لأخر لإستدعاءات عشوائية أو زيارات أمنية لمحل إقامتهم أو مواقع عملهم بتعلة الإجراءات الروتينية..مثل تحيين بطاقات الإسترشاد..وما شابه..من تعلات. غيرأن هذه الوضعية لم تنسحب على جميع المحكومين وإنما ظلت فئة الشباب المحكوم بموجب قانون 10 ديسمبر 2003 المسمى قانون” مكافحة الإرهاب” تحت المراقبة الإدارية تشكو سوءاً في المعاملة بالغ الدرجة.
يمكن القول إذا أن مرحلة 2000-2009 شهدت مرونة أمنية ملحوظة، مقارنة مع المرحلة السابقة (1991-2000) وهو أمر أمكن للسجناء المسرحين ملاحظته بأنفسهم، دون أن يكون ذلك إسترداداً لحق ، أو تسهيلاً للإندماج الاجتماعي على نحو ما يتمتع به غيرهم من المواطنين. فلم يعد مثلاً السجين السياسي المسرح يستدعى للإستنطاق حول علاقته بشخص إستوقفه في الطريق العام للسؤال عن أحواله أو ماشابه، وهو سلوك إجتماعي كان في المرحلة السابقة يتعرّض بسببه السجين المسرح للمساءلة وتضع الثاني في محل الشبهة لدى الأجهزة الأمني، وإنما أصبحت الأسئلة في الطريق العام أو في السوق أو عند محل الشغل حيث يتوجه عون الأمن إلى السجين السياسي المسرح بأسئلة على هذا النحو في الغالب : كيف حالك ؟ كيف حال الأولاد ودراستهم..؟ ماذا تشتغل الآن وعند من ؟ هل يتصل بك فلان من الجمعية المساجين أو من رابطة حقوق الإنسان..؟ مر علينا غدا في المركز أوفي أي وقت… ، لاتنسى أن تأتينا بصورة شخصية حديثة…فرئيس المركز الجديد يريد التعرف إليك… ليس في الأمر أي مشاكل.. كما تعلم..فهذه أمور روتينية…..!! .)
4 – المراقبة الإدارية وإستلهام الخبرات الاستعماريةلعله من المناسب أن نستحضر التوصيات التي كان المقيم العام الفرنسي ينصح بها وزارة الخارجية الفرنسية لإبقاء حالة الإخضاع والسيطرة على التونسيين،فقد جاء في رسالة له سنة 1911 قوله :
[ إنه من الأفضل لفرنسا أن توطد المساواة السياسية بطريقة عفوية على أن تتركها تفتك شيئاً فشيئاً، وسيكون من الصعب عندئذ تصور ما ستكون عليه الحماية الفرنسية وكيف ستكون حظوة المعمرين وسط الجماهير الأهلية، هذه الجماهير التي يجب أن تنظر لبرج المعمرين بنفس العيون التي كان يرى بها الفلاح الفرنسي قلعة النبيل ] ([1])
وإذا كان الإبعاد والمراقبة الإدارية ضد الوطنيين التونسيين في عهد الحماية الفرنسية على تونس هي عقوبات ناتجة عن عقلية إستعمارية كما عرضنا أول هذا التقرير، فإنها ظلت أيضاً مدرسة تستفيد السلطات الوطنية لدولة الإستقلال من خبراتها وتستلهم من مناهجها القديمة منها والمستحدثة في توظيف العنف ووسائله.إن المقاديرالمتاحة من هوامش الحرية التي يتمتع بها السجين السياسي المسرح اليوم تحدد بالقياس مع مقادير العنف المفرط وأقصى درجات العزلة التي عاناها السجناء السياسيون المسرحون في المرحلة السابقة، وتحددُ أيضاً بحيوية مكونات المجتمع المدني ومناضليه في وضع السلطة أمام ضرورة تغيير سلوكها بإزاء قضايا حقوق الإنسان. لكنها تحدد أيضاً بقدرة السلطة على المناورة وإبقاء خصومها السياسيين لاسيما منهم السجناء السياسيون المسرحون تحت السيطرة الدائمة بمرونة مدروسة وبوسائل أقل ظهوراً وأكثر نجاعة، بغاية إفراغ أدوارهم السياسية والإجتماعية والتغذي مما يمكنها أن تحققه في السجناء السياسيين المسرحين من روح الهزيمة ومعاني الإحباط
.(…منع الناشطين والمشاغبين من لعب دور القيادة ودفعهم للندم وإعلان التوبة ، وذلك عن طريق تثبيط عزائمهم… هم أحرار بلا شكّ لكنهم في الوقت ذاته لا يعملون شيئاً، و لا دخل مادي لهم ودون مشاغل ، يعيشون الوحدة والعزلة ويخافون من النسيان، يخافون أن يتنكّرون لهم ، لذلك يصبحون مستعدين لكل التنازلات حتى ينالوا حريتهم المفقودة..)([2] )
II. المراقبة الإدارية آثارها وردود الأفعال
مهما يكن من أمر فإن المراقبة الإدارية وبالصورة التي مارستها الأجهزة الأمنية سواء في المرحلة الأولى أو في المرحلة الثانية فإنها ألحقت وما زالت تلحق أضراراً جسيمة بالسجناء السياسيين وعائلاتهم كان بعضها كارثياً على عدة مستويات.ولم يكن ذلك العنف المفرط الذي مارسته أجهزة الدولة في حق السجناء السياسيين، لتقصي وجودهم السياسي وإنما أيضاً لتنسف وجودهم الطبيعي والموضوعي، وعليه تحول إحتجاج السجناء السياسيين على السلطات الأمنية والسياسية من أجل حق وجودهم الطبيعي ومن أجل حق وجودهم الإجتماعي والمدني ، قبل البحث عن إستعادة حق وجودهم السياسي وهي حقوق أصيلة لوجود الكائن الإنساني توشك المراقبة الإدارية أن تأتي عليها.
1 – الإحتجاج بالإضراب عن الطعامبدأ السجين السياسي السابق حمادي العبيدي الذي غادر السجن في نوفمبر 2006 بموجب السراح الشرطي، إضراباً مفتوحا عن الطعام منذ 14 مارس 2007 للاحتجاج على عدم السماح له بالالتحاق بعائلته بمدينة حمام الأنف وبحصر إقامته في مدينة جندوبة. فبعد تسريحه من السجن بموجب السراح الشرطي بتاريخ 5/11/2006 تولت مصالح وزارة الداخلية حسب قرار المراقبة الإدارية عدد 17755 – م- مؤرخ في 9-11-2006 إعلامه أنه مطالب بالإقامة بحي التطور بجندوبة حتى انتهاء مدة العقوبة التكميلية الأمر الذي حال دونه و إمكانية التواصل مع عائلته التي انتقلت بالسكنى خلال فترة سجنه إلى مدينة حمام الأنف بمنزل عدد 12 نهج علي باش حانبة.ولم يقطع إضرابه عن الطعام إلا في 2007.03.27 بعدما استجابت السلطة الأمنية لطلبه المتمثل في تمكينه من الانتقال بالسكنى إلى حمام الأنف بتونس العاصمة حيث تقيم عائلته و قد وقع تحرير محضر في ذلك تم إيداع نسخة منها بمركز شرطة حمام الأنف الذي أخبره بوجوب الحضور بالمركز أربع مرات في الأسبوع لتمكين المركز المذكور من تنفيذ قرار المراقبة الإدارية. أما الهادي بن علالة البجاوي الذي جرى إعتقاله سنة 1991 ، وأطلق خلالها الأمن عليه النار لتستقر رصاصة في مستوى ركبته وظل بالسجن من غير علاج إلى أن أفرج عنه في سبتمبر 1999، وكان طبيب سيدي ثابت حيث يقطن السيد البجاوي رفض أن يعالجه مخافة أن ينتقم منه الأمن وبسبب تلك الإصابة التي إضطرته للتنقل مستعيناً بعكاز تعذر حصوله على عمل قار، وكان يُجبر على الحضور إلى مركز الأمن الذي يرجع إليه بالنظر للإمضاء اليومي، وهوما دفعه إلى الإضراب عن الطعام في ماي 2001 إحتجاجاً على ما يتعرض له من تشف وفي 2 سبتمبر2001 أبلغته وزارة الداخلية أنه بإمكانه إجراء عملية جراحية، لكن بناءً على الفحوصات التي أجريت له تقرر عدم إزالة الرصاصة، فأجريت عليه عملية على كسر قديم يعود إلى ثلاثة سنوات مضت أصابه على إثر الضرب الذي تعرض له على أيدي أعوان الأمن . كما قرر السجين السياسي السابق السيد عادل العوني في 13جوان 2008 الدخول في إضراب عن الطعام بعد أن عجز منذ سراحه من السجن في 06 نوفمبر 2008 على القيام بأي عمل يوفر له الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة لاسيما وأنه غادر السجن بعاهة دائمة وكان السيد عادل العوني قد حوكم بـ 14 عاماً و3 أشهر سجناً، و بسبب عدم إمتثاله لأوامر إدارة سجن الهوارب سنة 1996 بعد أن أصدرت قراراً يمنع السجناء السياسيين من أداء صلاة الصبح في وقتها، فتعرّض من قبل نائب مدير سجن الهوارب عبد الرحمان العيدودي للضرب العنيف على رأسه ما خلّف له جروحاً ورضوضاً في مستوى الدماغ نجم عنه منذ ذلك التاريخ نوبات دورية من الصرع، أقعدته عن أداء أي عمل يتطلب جهداً بدنياً. و خلال الإضراب عن الطعام أصيب بحالة إغماء وصار عاجزاً على تحريك رجليه فتم نقله إلى قسم الإستعجالي بمستشفى الرابطة ومنها نقل إلى مستشفى الأعصاب حيث وضع تحت العناية المركزة تمهيداً لنقله إلى مستشفى الرازي ، إلا أن عائلته فوجئت برئيس القسم يأمر بوقف معالجته وإعادته إلى محل إقامته لـ” يتحمل تبعات إضرابه الإختياري عن الطعام ” على حد قوله.
أما محمد عمار فهو يطالب باسترجاع عمله السابق بصفته سائق لسيارة أجرة، وقد منع من ذلك بعد خروجه من السجن في 2006، رغم أنه يمتلك رخصة قانونية بتاريخ 28/6/1991. وكان قد صدر في حقه حكم بالسجن مدة 35 سنة قضى منها 14 عاماً. وأمام عجزالسيد محمد عمار عن توفير الحاجيات الأساسية لإبنيه ولزوجته الحامل قرر الدخول في إضراب عن الطعام بدأً من يوم 13جويلية 2008.
وأما السيد لطفي الورغي بوزيان فقد دخل في إضراب مفتوح عن الطعام يوم الخميس 3 جويلية 2008 للمطالبة بـإرجاعه إلى سابق عمله بصفة موظف بوزارة المواصلات أو أي عمل آخر في نفس الرتبة وبنفس المرتّب واسترجاع جميع حقوقه بالوزارة المذكورة طيلة سنوات السجن إلى اليوم، وتسوية وضعيته بصندوق التقاعد والضمان الاجتماعي، وتمكينه من حقه في جواز السفر مثل أي مواطن تونسي، وتعويضه وجبرالضررالحاصل له عن التعذيب وسوء المعاملة داخل السجون التونسية، التي قضى بها 8 أعوام ثم أتبعها بـ10 أعوام من المعاناة و التجويع. وإضطر السيد التومي المنصوري، الذي أُفرج عنه في 2004 بعد أن قضى 12 عاماً سجنا، أن يخوض إضرابا عن الطعام إبتداءً من 12 جويلية 2008 وذلك احتجاجا على المرقبة الإدارية التي يخضع لها وسياسة التشفي التي تمارس ضده وتعزله عن محيطه الشىء الذي ضاعف معاناته النفسية والمادية، وذلك بعد أن استنفذ كل المحاولات وطرق كل السبل لأجل المطالبة بحقه في حرية التنقل وحقه في العمل.
أما السيد عبد السلام السميري الذي أطلق سراحه يوم 6 نوفمبر 1999 فبعد أن قضى8 أعوام و3 أشهر متنقلاً بين السجون التونسية،وبعد أن أمكنه العثور على عمل بشركة إفريقيا الصناعية بمقرين(من ضاحية تونس) حيث أمضى 9 أشهر يشتغل لحسابها، قامت المؤسسة بطرده من العمل بعد ضغوطات من جهات أمنية على صاحب المؤسسة. فأعلن إضرابه عن الطعام و كان ذلك يوم 11 و 12 فيفري 2005 ولم يتوقف عنه إلا عند تدخل المعتمد واعداً إياه بتسوية وضعيته لكن تبين له لاحقاً أنها وعود غير جدية، فعاد ليُعلن مجدداً في 16 جوان 2005 عن إضراب مفتوح عن الطعام من أجل رفع التضييقات عليه أمام كسب قوته وإعالة عائلته ووالدته المسنة التي تبلغ من العمر93 سنة .
أما السيد الحبيب اللوز الرئيس الأسبق لحركة النهضة الذي قضى في السجون التونسية 15 عاماً واُفرج عنه في 5 نوفمبر 2006 ، فقد فيها عينه خلال فترة سجنه وكان الإهمال الصحي والتهاون في العلاج سبباً في إصابته بعدد من الأمراض من بينها السكري ، فقد وجد نفسه تحت المراقبة اللصيقة حيث ترابط سيارة لرجال الشرطة بالزَّيّ المدني أمام محل إقامته بصورة دائمة ويلاحق البوليس تنقلاته في السوق وعند زيارة الأقارب ولدى حضوره الأفراح أوالأتراح، كما ترابط سيارة بها أعوان بزي مدني أمام محل عمل إبنه ، مما حمل صاحب المحل تحت ضغوط أمنية و حزبية على إخراجه من المحل فإنتقل إلى العمل في المنزل، فإنتقلتْ معه سيارة الأمن للمرقابة أمام المنزل مما صرف عنه حرفاءه وأدى إلى كساد عمله. ثم إستدعوا مسوّغ المنزل الذي تقيم فيه عائلته ليسألوه عن تسويغه المنزل وعن سبب تمكين إبن الحبيب اللوز من القيام بشغله في المنزل. وأمام المضايقات الأمنية وإستمرارإستدعائه للتحقيق في قضايا مفتعلة ثم إكراهه على وضع بصمته على محضر لم يطلع على مضمونه. قرر يوم الثلاثاء2007.11.27 الإضراب عن الطعام من أجل: لفت نظر الجهات المعنيَّة و الرَّأي العام إلى ما تعرَّض له من إهانة و تعسّف و إجبار بالقوَّة وإكراهه على وضع بصمته بالمحضر، والإحتجاج على الرقابة الأمنية الدائمة واللصيقة أمام منزله، والإعلان عن رفضه لكل محاولات إذلاله وتركيعه.
2 – اجتياز الحدود بحثاً عن اللجوءالسيد سامي بن بشير بن مسعود بوراس سجين سابق من مواليد 06/05/1975 بمدينة جربة وقاطن بنهج خير الدين باشا منزل بورقيبة من ولاية بنزرت تم إيقافه من طرف البوليس السياسي في 11/10/2003 أصدرت محكمة الاستئناف بتونس في حقه حكما بالسجن بـ 04 أعوام سجنا و 05 سنوات مراقبة إدارية في القضية عدد5572 أمام الدائرة الجنائية13 بمحكمة الاستئناف بتونس، قضى منها سنتين وعشرين يوماً ثم اُفرج عنه بموجب السراح الشرطي في 02/ 11/2005 وهو الآن محل تتبع قضائي ومحكوم غيابيا في قضية أخرى . تعرض للهرسلة الأمنية بعد خروجه من السجن حيث زارته فرقة البوليس السياسي بمنزل بورقيبة واقتادته من منزل والديه حيث طلب منه الامتناع عن مغادرة المدينة مهما كان الباعث على ذلك دون إذن مسبق كما طلبوا منه أن يُعدّ قائمة إسمية في الذين يتردد عليهم أويزورهم من معارفه ولكن السيد سامي طلب كتابيا تغيير عنوان الإقامة الوارد بقرار المراقبة الادارية (عنوان محل إقامة والديه) إلى عنوان إقامته الجديد بمدينة أريانة (نهج الأخطل،المنزه ، تونس العاصمة ) ووجه هذا المكتوب إلى كل الجهات المسؤولة عن وضعيته وخاصة الإدارة العامة للسجون والإصلاح لكن لم يتلق أي إجابة وهوما يعني أن عليه الإلتزام بالعيش قسرا بعيدا عن مقر عمله .. بل تصاعدت وتيرة الانتهاكات لحريته وحقوقه وكما تزايدت الزيارات البوليسية في الليل والنهار إلى الحد الذي دفعه لتقديم شكوى إلى وكيل الجمهورية ببنزرت ضد رئيس منطقة الشرطة بمنزل بورقيبة في تجاوز السلطات. اُذن له شفويا في أواخر شهر فيفري 2006 من قبل السلطات الأمنية بمنزل بورقيبة بالقيام بزيارة إلى تونس العاصمة قصد شراء بعض المستلزمات ولكن حال مغادرته اُصدر في حقه منشور تفتيش لمخالفته قرار المراقبة الإدارية، متنصلة من إذنها الشفوي ناكرة صدور الإذن من قبلها فعلاً، وتم بناءاً عليه إيقافه ثم محاكمته في القضية رقم 23732 بتاريخ 08/03/2006 بمحكمة ناحية منزل بورقيبة موجهة في حقه حكم بشهرين سجنا. ورفض القاضي معز بوغزالة نقل تنفيذ المراقبة الإدارية إلى عنوانه الحالي ( نهج الأخطل بالمنزه تونس العاصمة ) وبعد قضائه عقوبة السجن عاد من جديد إلى نفس المعاناة ليجد نفسه بعد شهرين موقوفاً بمنطقة الشرطة بمنزل بورقيبة ولدى استجوابه عرض عليه رئيس المنطقة العمل مع ” الأمن ” كمخبر في مقابل تسوية مشكلة المراقبة الإدارية وعند رفضه لهذا العرض جرى تعنيفه وإهانته ثم تم إيقافه مجدداً بتهمة مخالفة المراقبة الإدارية فأمضى ليلته بمركز الشرطة وفي الصباح أحيل على المحكمة الابتدائية ببنزرت لكنه تمكن من الفرار عند باب المحكمة. وبعد فترة من التخفي سافر السيد سامي بوراس إلى ليبيا في شهر نوفمبر 2006 ومنها ارتحل خلسة إلى ايطاليا في جويلية 2007 وفي أوت 2007 انتقل إلى مرسيليا بفرنسا ثم انتقل إلي السويد في شهر جانفي 2008 . قدم نفسه إلى إدارة الهجرة في 2008.06.13 طالبا منها تسوية وضعيته وتمكينه من اللجوء السياسي فلم يقع الاستجابة لطلبه في 11-07-2008، فقدم استئنافا لدى محكمة إدارة الهجرة التي كانت له معها جلسة يوم 05-05-2009 وعلى إثرها تم رفض إجابة الطلب حوالي يوم 19/05/2009 لكنه استأنف عن طريق محاميه القرار لدى المحكمة العليا وإلى حد كتابة هذا التقرير يبقى لسامي بوراس آخر أمل له للإفلات من الترحيل أو التسليم إلى السلطات التونسية معلق على قرار هذه المحكمة التي من المفترض أن تصدر حكمها بقبول الملف أو رفضه .
ويواجه أيضاً السجين السياسي السابق السيد عبد المجيد الغيضاوي خطر التسليم إلى السلطات التونسية بعد أن أوقفه خفر السواحل الإيطالية على حدودها البحرية، فراراً من عذابات المراقبة الإدارية التي يعاني منها مئات من السجناء السياسيين المسرحين في تونس والسيد عبد المجيد من مواليد 1957.19.05 بسيدي عمر بوحجلة من ولاية القيروان، فني بالكهرباء،مطلّق وهو وأبٌ لولد وبنت. دخل السجن بتاريخ 17/09/1991 وحكم عليه في الطور الإستئنافي بالمحكمة العسكرية بتونس بـ22 سنة سجناً و05 سنوات مراقبة إدارية ضمن القضية التي جمعت القيادات التنظيمية والسياسية لحركة النهضة . غادر السجن في 2006.08.05 بموجب سراح شرطي بعد أن قضّى 15 عاماً متنقلاً بين السجون التونسية، ليُخضع فور سراحه لعقوبة تكميلية ممثلة في المراقبة الإدارية، حيث يتعيّن عليه عدم مغادرة ولاية بن عروس إلا بإذن مسبق، فيما كان أعوان الأمن السياسي ، يترددون على محل إقامته للاسترشاد عنه ويخضعونه وأهله وأقرباءه للمراقبة الدائمة، وهوما أثار خوفاً في نفوس معارفه وفرض عليه وضعاً من العزلة الاجتماعية قللت من فرص عمله ومن قدرته على الاندماج في الحياة الاجتماعية مجدداً.
أجبر على الإمضاء اليومي لدى مركز الأمن بين 2006.09.25 و 2007.09.25 ليُصبح الإمضاء بعد ذلك مرة واحدة في الأسبوع، لكنه لم ينجح ضمن ظروف المراقبة الإدارية في الحصول على شغل وظل منذ سراحه بحالة بطالة. تقدم السيد عبد المجيد الغيضاوي بطلب كتابي بتاريخ 2006.08.025 إلى رئيس منطقة الأمن بحمام الأنف المسمى عمار الخضراوي، قصد السماح له بتحويل تراتيب المراقبة الإدارية من رادس بولاية بن عروس إلى سيدي عمر بوحجلة بولاية القيروان حيث يمكنه الإشتغال بأرض فلاحية على ملك عائلته ويستفيد من ريعها، لكن بعد ثلاثة أشهر من الإنتظار لم يتلق رداً، وعليه أن يفهم، على نحو ما جرت عادة الإدارة الأمنية …« أن جواباً بالرفض وصله !!!…» غادر السيد عبد المجيد الغيضاوي البلاد التونسية إلي ليبيا خفية في 2009.01.31 ومنها أبحر في 2009.04.15 إلى إيطاليا عبر قوارب الموت خلاصاً لمعاناة أعداد كثيرة من شباب الجنوب، أوقفته قوات خفر السواحل الإيطالية بلمبدوزة ونقل إلى صقلية في نفس اليوم حيث تم إستجوابه من قبل إدارة الهجرة ، ونظرت هيئة قضائية يوم 2009.06.16 في قضيته وقد حصل على اللجوء السياسي بعد حركة مساندة ومناشدات من كل الجمعيات الحقوقوقية التونسية وبدعم من منظمات دولية على غرار منظمة العفو الدولية . أما السيد حسين الجلاصي فقد قضى عقوبة بالسجن لمدة 9 سنوات ( بين سنتي 1995 و 2003 ) و سبق له أن تقدم بمطلب أوّل بتاريخ 16 مارس 2004 ثم بمطلب ثان في أواخر سنة 2004 لاستخراج جواز سفر، وأمام رفض مساعيه رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية طعناً في القرار الضمني القاضي برفض تمكينه من جواز سفر. وفي3 ماي2006 أصدرت الدائرة الابتدائية الثانية في القضية عدد14487/1 حكمها القاضي بقبول الدعوى الذي رفعها السيد حسين الجلاصي، شكلاً وأصلاً وإلغاء الـقرار الضمني المطعون فيه. وقد قضت الدائرة الإستئنافية الأولى بالمحكمة الإدارية في 11 ديسمبر 2007 برئاسة القاضية نبيهة الشائبي مقطوف برفض استئناف وزير الداخلية وحمل المصاريف القانونية عليه وإقرار الحكم الابتدائي.و قام السيد حسين الجلاصي بإرسال عدل منفذ إلى وزارة الداخلية دون أن يحقق من ذلك أي فائدة ، والسيد حسين الجلاصي متزوج من باكستانية لم تتمكن من رؤية عائلتها منذ 16 سنة ، وله منها ثلاثة أبناء ، يبلغ كبيرهم من العمر 23 سنة ، ثم الذي يليه 20 سنة والأصغر 18 سنة . وأمام يقينه أن القضاء لا يمكنه أن يعيد إليه حقه المسلوب قام بإجتياز الحدود سرا فأوقف في موفى شهر أوت الماضي من طرف السلطات الليبية ، وأودع سجن تاجورة بطرابلس، ثم سلّم إلى السلطات التونسية في 18 نوفمبر 2008، وأطلق بعد ذلك سراحه من مقر وزارة الداخلية ، بعد أن وقع تغريمه من لدن المحكمة الابتدائية بتونس بـغرامة مالية قدرها 100 دينار تونسية من أجل إجتياز الحدود .
والسيد علي الرواحي الذي اُخضع لتراتيب المراقبة الإدارية بعد سراحه من السجن في جوان 2003 وبعد أن خاض في نوفمبر 2003 إضراباً عن الطعام لعدم تمكينه من جواز سفر للإلتحاق بعائلته المقيمة منذ سنة 1962 بفرنسا، ألقي عليه القبض بقلعة سنان وهو يتهيأ لاجتياز الحدود، وحكمت المحكمة في حقه بـ 16 يوماً سجناً نافذة وفي طور الإستئناف قضت المحكمة في حقه بـ خطية مالية قدرها100 دينار تونسية. وفي محاولة ثانية نجح علي الرواحي في إجتياز الحدود إلى الأراضي الجزائرية في ديسمبر 2004 لكن بعد شهرين ألقت السلطات الأمنية الجزائرية عليه القبض، وأصدر القضاء الجزائري ضده حكما بخمسة سنوات سجنا خفضت في الطور الإستئنافي ولم يقض منها إلا سنتين وشهرين، ثم سلمته السلطات الجزائرية بعدها إلى السلطات التونسية التي أحالته على محكمة الناحية ببنزرت التي قضت ضده بخطية مالية قدرها 4 دينارات تونسية و800 مليم.
3 – المراقبة الإدارية …القاتلة
وُجِد السيد عبد الرزاق بربرية متدليا من عنقه في حبل مربوط إلى سقف مطبخ منزله إثر صلاة الفجر، وتؤكد كل الظروف والملابسات الحافة أنها عملية إنتحار، فبعد أن حوكم سنة 1992 بخمسة سنوات ونصف قضاها متنقلاً بين السجون التونسية أُطلق سراحه في سبتمبر1997، لكنه سيكتشف أن محنة السجن في أشد فتراتها على سجناء التسعينات ، كانت أرحم بكثير من السراح تحت المراقبة الإدارية في تلك المرحلة من تاريخ تونس، إذ اُجبرعلى التردد عددا من المرات في اليوم الواحد على مركز بنزرت للأمن الوطني “بوقطفة”، وكان يتعرّض للإهانة من قبل أعوان الأمن و بخاصة منهم المسمى مراد العبيدي ثم محمد بن تركية ونبيل بن حسين فكانوا يضربونه على قفاه عند وصوله إلى مركز الأمن وينهرونه لأنه وصل قبل الموعد فيُدعى للإنتظار، ربع ساعة إلى حين قدوم العون المسؤول على سجلات الإمضاء، لكن على أن لا ينتظر في الحديقة المجاورة للمركز بل يُجبرعلى الرجوع و قطع المسافة إلى منزله والانتظار هناك ثم العودة ثانية إليهم. إنتحرالسيد عبد الرزاق بربرية يوم 12 نوفمبر 1997 أي بعد شهرين فقط من إستعادته “حريتـ “ـه وقد كان وقع الخبر على من عرفه من أهل المدينة صاعقاً لما عُرف به من دماثة الأخلاق و لطف واعتدال في طبعه ولما عُرف عنه أيضاً من ترأسه لمجالس حفظ القرآن الكريم في مسجد حي الإندلس بمدينة بنزرت. وكان واضحا أن حجم الأذى الذي لحق عبد الرزاق بربرية بسبب المداهمات الليلية غير المبررة والإهانات المؤلمة والمذلة من قبل الأعوان المذكورين أعلاه، تفوق إحتماله ما تسببت في انهياره وبلوغه درجات عالية من اليأس التام أمام إنعدام الأمل في أن تخفف عنه الإهانات اليومية والإذلال القاتل.
والسيد محمد علي فداي من مواليد سنة 1947، موظف بالشركة الجهوية للتوريد والتصدير ببنزرت، متزوج وله ثلاثة أبناء، كان ينهض بشؤون إمامة الخمس بمسجد سيدي عبد القادر بحي المدة ببنزرت ، وكان يجمع حوله الصغار والشباب في المسجد يُحفـّظهم القرآن الكريم، حوكم سنة 1994 بتهمة الإنتماء إلى جمعية غير مرخصة ونال عقوبة بـسنتين وستة أشهر، ولدى سراحه أجبر بدعوى المراقبة الإدارية على الحضور مرتين في اليوم لدى مركز الأمن قصد الإمضاء في سجلات الحضور، وقد حال ذلك دون إمكان إجراء الفحوص والعلاجات اللازمة للمرض العصبي الذي صار يعاني منه، وقد تعرض لجميع أشكال الإهانة والإذلال طوال الفترة التي قضاها يتردد على مركز الأمن لتسجيل حضوره وكان من أشد رجال الأمن إذاية له العون المسمى مراد العبيدي. وفي ديسمبر 1996 صعد السيد محمد علي الفداي أسوار القصبة بمدينة بنزرت و صلى بممراتها ركعتين ومن الناحية المواجهة للمرفىء القديم ببنزرت وقف على حافة السور ثم كبّر بأعلى صوته سمعه من كان في الجهة المقابلة للمرفىء القديم و ألقى بنفسه من أعلى السور ليقع على رصيف المرفىء ويفارق الحياة في الحال.
أما السيد السجين السياسي لطفي بن عمارة العميري فقد وجد مشنوقا في شجرة زيتون بمدينة سيدي الظاهر بنابل يوم 18/12/1997.
4 – ردود الأفعال العنيفة
يقبع السجين السياسي فتحي العلج في السجن منذ 14 عاماً وكان قضى قبل محاكمته الأخيرة 6 أشهر سجنا في بداية 1991 بتهمة الانتماء لجمعية غير مرخصة ، وتعرّض بعد مغادرته السجن للاضطهاد حيث مُنع من العمل والدراسة وحتى من استخراج وثائق الهوية، و كان عونان من البوليس السياسي يدعى أحدهما فتحي الدمني و الثاني رجب .. يعمدان إلى بعثرة الخضر والغلال التي كان ينتصب بها بسوق رأس الجبل لبيعها، ويضطر للعودة إلى أهله صفر اليدين ، فتشجعه والدته مانحة إياه خمسة أو عشرة دنانير تونسية ليشتري بعض الخضار، فتشدّ أزره وتدعوه للصبرومواصلة عمله بالسوق، لكن يكرر أعوان الأمن المذكورة أسماءهم إعتداءهم عليه برمي بضاعته أرضاً وتعمّد السخرية منه.
وتؤكد الجمعية بعد مراجعتها لملفه القضائي ( القضية عدد 25043 الصادر فيها الحكم بتاريخ 23 جانفي 1996 ) أن ما نسب له من محاولة قتل ..العون المسمى رجب لا يستند لأي أساس واقعي أو قانوني و تؤكد كل القرائن أنه يتعلق بتهمة كيدية تولدت عنها محاكمة انبنت على اعترافات انتزعت تحت التعذيب و صدر في ختامها حكم بالسجن لمدة 15 سنة .؟؟؟ وقد أفلحت سياسة الترهيب و التهديد التي استعملها البوليس السياسي بمدينة رأس الجبل من ولاية بنزرت في عزل والديه المسنّين عن العالم الخارجي و في تغييب قضية ابنهما عن الساحة الحقوقية بما جعله في منزلة لا هي بمنزلة السجين السياسي الذي تتجند المنظمات للمطالبة بالإفراج عنه ولا سجين الحق العام الذي يتمتع بالحط الآلي من العقوبة بما كان معه من المفروض أن يغادر السجن منذ سنوات.
5 – عـنف المراقبة الإدارية ووعي العنف: معاودة النضال :
تماما كما لم يفلح السجن في كسر إرادة المناضلين السياسيين و الحقوقيين و تحطيم عزائمهم فإن اضطهاد المراقبة الإدارية التعسفية لم يفلح بدوره في عزلهم عن المجتمع و إثنائهم عن الإهتمام بالشأن العام بل إن بعضهم سجل حضوره في الساحة الحقوقية ضمن أعند المدافعين عن حقوق الإنسان ومن بينهم : -الهادي التريكي ولسعد الجوهري و لطفي الحيدوري و محمد عبو و علي بن سالم و زهير مخلوف وعبد الكريم الهاروني و محمد القلوي و محمد الجلاصي و عبد الله الزواري و السيد المبروك و عمر القرايدي وسمير طعم الله ولطفي العمدوني … وقائمة طويلة من المحامين . و دون أي مفاضلة بين التجارب المختلفة فقد اخترنا تسليط الضوء على صورة معبرة عن الإلتزام بالنضال الحقوقي رغم كل العوائق : طارق السوسي ..لم يمنعه عن النضال التنقل على عكازين ، و لا السجن في مناسبات متكررة ، و لا المراقبة الإدارية التعسفية ..و لا القضايا الكيدية الملفقة ..
طارق السوسي هو سجين سياسي سابق وهو أستاذ فيزياء بالتعليم الثانوي من مواليد 9 أكتوبر1960 أطلق سراحه في 1992.08.13 بعد أن قضى عقوبة بالسجن لمدة عشرة أشهر لأجل الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها وجمع أموال بدون رخصة ومسك وتوزيع مناشير، ومع أنه لم يصدر في حقه أي قرار بالمراقبة الإدارية فقد أجبر على الإمضاء اليومي طيلة ست سنوات مع المنع من التنقل والمنع من الشغل ، دون أي إعتبار لما يعانيه من إعاقة عضوية في مستوى رجليه تمنعه من المشي راجلاً إلا بالإستعانة بعكازين وتمنعه من التنقل إلا بسيارته الخاصة. وفي خطوة شجاعة منه قرر في 1998.07.12 التوقف عن الحضور لأجل الإمضاء اليومي المفروض عليه لدى مركز الأمن الوطني بحي الروابي ببنزرت.
وفي يوم 1998.08.08 إقتحم أعوان للأمن بزي مدني يزيد عددهم عن السبعة في مقدمتهم رئيس مركز الروابي محل سكناه الكائن بعمارة بحي سيدي سالم، وحمّلوا طارق السوسي على الأيدي على مرأى ومسمع من الجيران ومتساكني الحي، ما تسبب في إغماء والدته المريضة وما جعل من إبنته الصغيرة آمنة( 8 سنوات ) تصيح في أمّها طالبة منها الإسراع بالإستنجاد برجال الأمن، لأن رجالاً سرقوا أباها…!!.
وفي سيارة الأمن تعرض طارق السوسي للتعنيف المادي والسب والشتم على أيدي أعوان الأمن قبل أن يصلوا به إلى مقر منطقة الأمن الوطني ببنزرت، حيث تولوا مجدداً تعنيفه وتهديده إن هو تمسك بعدم الحضور كعادته بقصد الإمضاء اليومي، وكان السيد السوسي يجيب: أنه لا وجود لقرار قضائي يجبره على ذلك وأن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع بنزرت كانت راسلت وزير الداخلية في الأمر ليتدخل بوقف هذا الانتهاك، وبعد معاودة تحذيره وتهديده أعيد إلى منزله على الساعة 16 من بعد الظهر. وفي يوم الخميس 1998.08.13 وفيما كان يصطحب بسيارته لحاماً إلى محل سكناه لينجز له إصلاحات في المصارف الصحية بمنزله إستوقفته سيارة مدنية يستقلها أعوان أمن، وبعد التحقق من هوية اللحام أخلي سبيله وأخذ طارق السوسي في هذه السيارة ( التابعة لشرطة مركزالأمن بحي الروابي) إلى منطقة بنزرت (في نهاية جسر بنزرت المتحرك) لتعاد مساءلته حول رفضه الإمضاء اليومي فيما حجزت سيارته في المستودع البلدي، وخلال ساعات التي تلت إيقافه تعرض السيد طارق السوسي للتعنيف والضرب على يديه، وقد فهم السيد طارق من إيحاءات أعوان الأمن أنهم ينون الزج به في قضية ملفقة عقاباً له على رفضه الإستمرار في الإمضاء اليومي ،فقرر الإضراب عن الطعام ، لكن الأعوان أكرهوه بالقوة على شرب الحليب، وهوما خلف آثاراً للعنف بيديه وكتفه الأيسر، وبعد يومين من إيقافه عُرض عليه شخص لا يعرفه، كان أعوان الأمن يقولون لذلك الشخص أن هذا يُدعى طارق السوسي.
بعد ذلك أحيل السيد طارق السوسي على القضاء بتهمة الإعتداء بالعنف الشديد على المدعو خليفة السعيداني الذي إدعى أن طارق السوسي قام بتعنيفه بواسطة عصا غليظة ( يد مكنسة ) وألقى عليه دلاعة وقعت على صدره. ورغم أن ملابسات هذه القضية تأكد طبيعتها الكيدية لأن مدعي الضرر تفوق بنيته الجسدية أضعاف بنية السيد طارق السوسي ولم تكن يداه تحملان علامات أو خدوشا بما يعني أنه لم يدافع عن نفسه و لا حاول دفع العصا الغليضة التي بزعمه ضربه بها السيد طارق السوسي و دفع الدلاعة التي ألقى بها عليه، ناهيك أن السيد طارق السوسي وهذا ما يعلمه الجميع وعاينه القاضي لا يستطيع الإنتصاب واقفاً على رجليه والمشي إلا بصعوبة بالغة وهو ما يمنعه من أن يتمكن من حمل دلاعة تزن 5 كغ ثم يلقي بها بقوة لتبلغ مدعي الضرر وتصيبه في صدره وتحدث له تلك الكدمات، هذا إضافة إلى أن عدم إستجابة المحكمة لإستدعاء مدعي الضرر والشهود لسماع شهادتهم تفقد المحاكمة شروط عدالتها ورغم قيام الدفاع الأستاذ بشرح خلفية هذه القضية وطبيعتها الكيدية،وطلبه الحكم بعدم سماع الدعوى فقد قضت المحكمة الإبتدائية ببنزرت بسجن طارق السوسي لمدة 5 أشهر وخفض الحكم لاحقاً في الطور الإستئنافي إلي 3 أشهرسجنا. وفي 1998.12.29 إقتحم رجال الأمن منزله مجدداً بقيادة رئيس منطقة أمن بنزرت المسمى زياد القرقوري وحُمل كرهاً ليلقى به في بهو مقر منطقة بنزرت لساعات ثم بأمر منه حمله الأعوان ورموا به أرضاً في الحديقة العمومية المواجهة لمقر منطقة الأمن ، وظلوا يراقبونه من بعيد وحين طلب مساعدة المارة بالحديقة و قدموا لمساعدته على الوقوف هُرع رجال الأمن لمنعهم عن ذلك مشيعين بين المارة أنه مجرم ثمل أكثر من شرب الخمرة . وبعد حين حملوه في سيارة وعادوا به إلى محل إقامته. رفع طارق السوسي شكايتين إلى فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي قام بدوره بمراسلة وزير الداخلية لوقف هذه الاعتداءات ، لكن دون أن تجد تلك المراسلات لدى المسؤوليين أي عناية ، ومنذ تلك الواقعة صار طارق السوسي صديق فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، يواكب نشاطها ويشارك في فعلياتها، وفي سنة 2002 حين إعتزم عدد من المناضلين من محامين وسجناء سياسيين سابقين تكوين جمعية تدافع عن السجناء السياسيين كان السيد طارق السوسي من بين أعضاء الهيئة التأسيسية للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
وفي27 أوت 2008 قام أعوان للبوليس السياسي بمدينة بنزرت بإقتحام محل سكنى طارق السوسي واختطافه من بين أفراد عائلته على إثر مداخلته في النشرة المغاربية لقناة الجزيرة يوم 26 أوت 2008 حيث اُخبر خلالها عن اختطافات من قبل رجال أمن شملت سبعة من شباب مدينة بنزرت ممن عُرفوا بترددهم على المساجد و ظل طارق السوسي في حالة إيقاف بالسجن المدني ببنزرت بتجاهل قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية ببنزرت( السيد أكرم المنكبي ) مطلب الإفراج المقدم من المحامين إلى أن قررت دائرة الإتهام بمحكمة الإستئناف ببنزرت في 25 سبتمبر2008 (في القضية المنشورة لديها تحت عدد 5113 ) الإفراج مؤقتا عنه.
وقد عبر نشطاء حقوقيون من ولاية بنزرت عن تضامنهم معه بإصدار بيان إلى الرأي العام بتاريخ 30/08/2008 يؤكد صحة و دقـّة تلك الأخبار، كما قدمت عائلات الضحايا شهادات موثقة عن صحة الخبر، وأكدت صحة الخبر أيضا فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وتمسك السيد طارق السوسي لدى مثوله أمام الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية ببنزرت برئاسة القاضي الحبيب البناني الثلاثاء 03 مارس 2009 بأقوله مؤكداً:
أنه في إطار عمله الحقوقي صلب الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين قد دأب على التنديد بعمليات الاختطاف شبه اليومية التي يتعرض لها الشباب المرتاد للمساجد وأنه يعني جيدا ماذا تعني كلمة ” اختطاف ” و أنها العبارة المناسبة تماما لوصف قيام أعوان البوليس السياسي باقتحام المنازل و ترويع العائلات دون الإستظهار بأي إذن قانوني و دون إعطاء العائلات المنكوبة أي معلومة عن مبررات اعتقال أبنائها أو عن سبب ذلك.
غير أن الدائرة الجناحية الثانية بمحكمة الاستئناف ببنزرت برئاسة القاضية فوزية الزرّاع أقرت الخميس 25 جوان2009 الحكم الإبتدائي (ثلاثة أشهر سجنا مع تأجيل التنفيذ) في القضية عدد 09/2367 التي أحيل فيها طارق السوسي بحالة سراح ، بتهمة” ترويج عن سوء نية لأخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام ” طبق الفصلين 42 و 49 من مجلة الصحافة على خلفية مداخلته في النشرة المغاربية لقناة الجزيرة يوم 26 أوت 2008 حول اختطاف البوليس السياسي لسبعة شبان بمدينة بنزرت.
وفي يوم 17فيفيري 2009 قام أعوان بوليس بزي مدني باختطاف السيد طارق السوسي مرة أخرى من محل سكناه عند الساعة الحادي عشر إلا ربع صباحاً ،بعد أن اقتحموا المنزل إثر انتحال أحدهم صفة عدل منفذ، وتوجهوا به إلى مقر منطقة الأمن ببنزرت حيث استمر التحقيق معه إلى الساعة الثالثة من بعد الظهر، محاولين إجباره على الكشف عمن كان وراء مبادرة الرسالة المفتوحة التي ورد فيها اسمه منسوبا له الإنتماء لحركة النهضة، وهي الرسالة التي وجهها عدد من نشطاء حقوق الإنسان وسياسيون ينتسبون إلى عدد من الأحزاب المعارضة التونسية إلى رئاسة السلطة الفلسطينية لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد عمد أعوان الأمن إلى تهديده بالتتبع العدلي ..إن لم يقم بالتشكي بمن أضاف اسمه للرسالة .. ! ولدى تجمع النشطاء الحقوقيين أمام منطقة أمن بنزرت للإستفسار عن مصير السيد الطارق السوسي ثم اعتصامهم أمام مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع بنزرت، قام أعوان الأمن بتفريقهم بالقوة وتعنيف بعضهم.
كانت مسيرة العنف قد دفعت بالسيد طارق السوسي إلى تجديد روحه النضالية والإنخراط ضمن فعاليات المجتمع المدني التونسي للدفاع عن مواطنين نالهم من الأذى والسجون والحصار والمنع على أيدي الأجهزة الأمنية والقضاء ما ذاق طعمه لسنين طوال.
من تقرير المقيم العام إلى وزارة الشؤون الخارجية B.R 100, C 1711, D 2, F 468 بتاريخ. 1935 -11-13 [1]
[2] مصدر سابق
أضف تعليق